فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرض} بوَّأه: أنزله منزلًا، والمباءَةُ المنزل، وتقدَّمت هذه المادة في آل عمران، وهو يتعدى لاثنين، فالثَّاني محذوف أي: بوَّأكم منازل.
و{فِي الأرْضِ} متعلّق بالفِعْلِ، وذكرت ليبنى عليها ما يأتي بعدها من قوله: {تَتَّخِذُونَ}.
قوله: {تَتَّخِذُونَ} يجوز أن تكون المُتَعدية لواحد فيكون من سهولها متعلقًا بالاتخاذ، أو بمحذوف على أنَّهُ حال من قصورًا إذ هو في الأصل صِفَةٌ لها لو تَأخَّر، بمعنى أنَّ مادة القُصُور من سهل الأرض كالطّين واللّبن والآجر كقوله: {واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ} [الأعراف: 148] أي مادته من الحلي.
وقيل: {مِنْ} بمعنى في.
وفي التَّفسير أنَّهُم كانوا يسكنون في القُصُورِ صَيْفًا، وفي الجبال شِتَاء، وأن تكون المتعدية لاثنين ثانيهما {مِنْ سُهُولِهَا} والسهلُ من الأرض ما لان وسهل الانتفاع به ضد الحزن، والسهولة: التّيسير.
قوله: {قُصُورًا} والقصور هو جمع قصر وهو البيت المُنِيفُ، سُمِّي بذلك لقصور النَّاس عن الارتقاء إليه، أو لأن عامة النَّاس يقصرون عن بناء مثله بخلاف خواصهم، أو لأنَّهُ يقتصر به على بقعة من الأرض، بخلاف بيوت الشّعر والعُمُد، فإنَّهَا لا يقتصر بها على بقعة مخصوصة لارتحال أهلها؛ أو لأنَّه يقصر من فيه أي: يحبسه، ومنه: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام} [الرحمن: 72].
قوله: {وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتًا} يجُوزُ أن يكون نصب {الجِبَالَ} على إسْقَاطِ الخافض أي: من الجبال، كقوله: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155]، فتكون {بُيُوتًا} مفعوله.
ويجوز أن يُضَمَّن {تَنْحِتُونَ} معنى ما يتعدَّى لاثنين أي وتتخذون الجبال بُيُوتًا بالنحت أو تصيرونَها.
بيوتًا بالنَّحت.
ويجوز أن تكون {الجبَالَ} هو المفعول به و{بُيُوتًا} حال مقدرة كقولك: خِطْ هذا الثَّوب جبة وابْرِ هذه القصبة قلمًا؛ وذلك لأن الجبال لا تكون بيتًا في حال النحت، ولا الثوب ولا القصبة قميصًا وقلما في حالة الخياطة والبري، أي: مُقَدّرًا له كذلك و{بُيُوتًا} وإن لم تكن مشتقة فإنَّهَا في معناه أي: مسكونة.
وقرأ الحسنُ: {تَنْحَتُون} بفتح الحاء.
وزاد الزَّمَخْشَرِيُّ أنه قرأ {تنحاتُونَ} بإشباع الفتحة ألفًا، وأنشد: [الكامل]
يَنْبَاعُ مِنْ ذْفَرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ

وقرأ يحيى بن مصرف وأبو مالكٍ بالياء من أسفل على الالتفات إلا أن أبا مالك فتح الحاء كقراءة الحسنِ.
والنَّحتُ: النَّجر في شيء صُلب كالحجر والخشبِ.
قال: [البسيط]
أمَّا النَّهَارُ فَفِي قَيْدٍ وسِلْسسلَةٍ ** واللَّيْلُ فِي بَطْنِ مَنْحُوتٍ مِن السَّاجِ

قوله: {فاذكروا آلاءَ الله} أي نعم الله عليكم.
{وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسِدِينَ} قرأ الأعمش بكسر حرف المضارعة وقد تقدم أن ذلك لغة.
و{مُفْسِدِيْنَ} حال مؤكدة إذ معناها مفهوم من عَامِلِهَا.
و{فِي الأرْضِ} متعلق بالفعل قبله أو بـ {مفسدين}. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}.
أزاح علتهم في بسط الدلالة، ووسع عليهم حالتهم بتمكينهم من العطايا على ما دعت إليه حالتُهم.. فلا الدليلَ تأمَّلُوه، والسبيل لازموه، ولا النعمة عرفوا قدرها، ولا المِنَّة قدَّموا شكرها، فصادفهم من البلاء ما أدرك أشكالهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (75):

قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما حصل الالتفات إلى جوابهم، قيل: {قال الملأ} أي الأشراف، وبينه بقول: {الذين استكبروا} أي أوقعوا الكبر واتصفوا به فصار لهم خلقًا فلم يؤمنوا؛ ونبه على التأسية بقوله: {من قومه} ولما قال: {للذين استضعفوا} كان ربما فهم أنهم آمنوا كلهم، فنفى ذلك بقوله مبدلًا منه: {لمن آمن منهم} أي المستضعفين، فهو أوقع في النفس وأروع للجنان من البيان في أول وهلة مع الإشارة إلى أن أتباع الحق هم الضعفاء، وأنه لم يؤمن إلا بعضهم، ففيه إيماء إلى أن الضعف أجلّ النعم لملازمته لطرح النفس المؤدي إلى الإذعان للحق، وبناؤه للمفعول دليل على أنهم في غاية الضعف بحيث يستضعفهم كل أحد {أتعلمون} أي بدؤوهم بالإنكار صدًا لهم عن الإيمان {أن صالحًا} سموه باسمه جفاء وغلطة وإرهابًا للمسؤولين ليجيبوهم بما يرضيهم {مرسل من ربه} وكأنهم قالوه ليعلموا حالهم فيبنوا عليه ما يفعلونه، لأن المستكبيرين لا يتم لهم كبرهم إلا بطاعة المستضعفين.
ولما عملوا ذلك منهم، أعملوهم بالمنابذة اعتمادًا على الكبير المتعال الذي يضمحل كل كبر عنده ولا يعد لأحد أمر مع أمره بأن {قالوا} منبهين لهم على غلظتهم وغلطهم في توسمهم في حالهم معبرين بما دل على العلم بذلك والإذعان له {إنا بما أرسل به} وبني للمفعول إشارة إلى تعميم التصديق وإلى أن كونه من عند الله أمر مقطوع به لا يحتاج إلى تعيين {مؤمنون} أي غريقون في الإيمان به، ولذلك {قال الذين استكبروا} أي في جوابهم معبرين بما يدل على المخالفة لهم والمعاندة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنا ذكرنا أن الملأ عبارة عن القوم الذين تمتلىء القلوب من هيبتهم، ومعنى الآية قال الملأ وهم الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا، يريد المساكين الذين آمنوا به، وقوله: {لمن آمن منهم} بدل من قوله: {للذين استضعفوا} لأنهم المؤمنون.
واعلم أنه وصف أولئك الكفار بكونهم مستكبرين، ووصف أولئك المؤمنين بكونهم مستضعفين، وكونهم مستكبرين فعل استوجبوا به الذم، وكون المؤمنين مستضعفين معناه: أن غيرهم يستضعفهم ويستحقرهم، وهذا ليس فعلًا صادرًا عنهم بل عن غيرهم، فهو لا يكون صفة ذم في حقهم، بل الذم عائد إلى الذين يستحقرونهم ويستضعفونهم.
ثم حكى تعالى أن هؤلاء المستكبرين سألوا المستضعفين عن حال صالح فقال المتضعفون نحن موقنون مصدقون بما جاء به صالح. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله عز وجل: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعفُوا}.
قرأ ابن عامر وقَالَ الْمَلأُ بالواو.
وقرأ الباقون بغير واو أي قال الملأ الذين تكبروا عن الإيمان من قومه وهم القادة للذين استضعفوا {لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} بصالح {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} يعني: أتصدقون صالحًا بأنه مرسل من ربه إليكم {قَالُوا} يعني: المؤمنين {إنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} أي: مصدقون به. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ} يعني الأشراف والقادة الذين تعظّموا عن الإيمان بصالح عليه السلام {لِلَّذِينَ استضعفوا} يعني الأتباع {لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قالوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

تقدم القول في {الملأ}، وقرأ ابن عامر وحده في هذا الموضع {وقال الملأ} بواو عطف وهي محذوفة عند الجميع، و{الذين استكبروا} هم الأشراف والعظماء الكفرة، و{استكبروا} يحتمل أن يكون معناه طلبوا هيئة لنفوسهم من الكبر، أو يكون بمعنى كبروا كبرهم المال والجاه وأعظمهم فيكون على هذا كبر و{استكبر} بمعنى كعجب واستعجب، والأول هو باب استفعل كاستوقد واسترفد، والذين استضعفوا هم العامة والأغفال في الدنيا وهم أتباع الرسل، وقولهم: {أتعلمون} استفهام على معنى الاستهزاء والاستخفاف. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه}.
قرأ ابن عامر: {وقال الملأ} بزيادة واو؛ وكذلك هي في مصاحفهم، ومعنى الآية: تكبَّروا عن عبادة الله، {للذين استضعفوا} يريد: المساكين.
{لمن آمن منهم} بدل من قوله: {للذين استضعفوا} لأنهم المؤمنون.
{أتعلمون أن صالحًا مرسل} هذا استفهام إنكار. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أنّ صالحًا مرسل من ربّه}.
قرأ ابن عامر {وقال الملأ} بواو عطف والجمهور قال بغير واو و{الذين استكبروا} وصف للملأ إما للتخصيص الأنّ من أشرافهم من آمن مثل جندع بن عمرو وإما للذم و{استكبروا} وطلبوا الهيبة لأنفسهم وهو من الكبر فيكون استفعل للطلب وهو بابها أو تكون استفعل بمعنى فعل أي كبروا لكثرة المال والجاه فيكون مثل عجب واستعجب والذين {استضعفوا} أي استضعفهم رؤساء الكفار واستذلوهم وهم العامة وهم أتباع الرّسل و{لمن} بدل من الذين استضعفوا والضمير في {منهم} إن عاد على المستضعفين كان بدل بعض من كلّ ويكون الذين استضعفوا قسمين مؤمنين وكافرين وإن عاد على {قومه} كان بدل كل من كلّ وكان الاستضعاف مقصورًا على المؤمنين وكان الذين استضعفوا قسمًا واحدًا ومن آمن مفسرًا للمستضعفين من قومه واللام في {للذين} للتبليغ والجملة المقولة استفهام على جهة الاستهزاء والاستخفاف وفي قولهم: {من ربه} اختصاص بصالح ولم يقولوا من ربنا ولا من ربكم.
{قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون} جواب للمستضعفين وعدولهم عن قولهم هو مرسل إلى قولهم: {إنا بما أرسل به مؤمنون} في غاية الحسن إذ أمر رسالته معلوم واضح مسلم لا يدخله ريب لما أتى به من هذا المعجز الخارق العظيم فلا يحتاج أن يسأل عن رسالته ولا أن يستفهم عن العلم بإرساله فأخبروا بأنهم مؤمنون بما أرسل به لأنه لا يلزم بعد وضوح رسالته إلاّ التصديق بما جاء به وتضمن كلامهم العلم بأنه مرسل من الله تعالى. اهـ.